الرئيسية » خلافات “التعليم العالي” بين بغداد وأربيل تتجدد.. نائب لـ عراق أوبزيرفر: أزمة الاعتراف بالجامعات تكشف غياب رؤية وطنية للتعليم.. والطلبة يدفعون الثمن
تعود أزمة الاعتراف بالمؤسسات الأكاديمية بين وزارتي التعليم في بغداد وأربيل إلى الواجهة مجدداً، وسط تعقّد الملف وتزايد التداعيات التي طاولت آلاف الطلبة، في وقت تتبادل فيه الجهتان الاتهامات بشأن ضعف الرصانة العلمية واتساع الفجوة بين سياسات التعليم في المركز والإقليم.
وبرغم المطالبات المتكررة بوضع معايير موحدة لضمان جودة المخرجات الجامعية، تستمر القرارات المتقابلة بعدم الاعتراف لتكريس حالة من الارتباك الأكاديمي، ولتكشف عن عمق المشكلات البنيوية داخل منظومة التعليم العالي في العراق.
وتعود جذور الخلاف إلى قرارات سابقة اتخذتها وزارة التعليم في إقليم كوردستان بعدم الاعتراف بعدد من الجامعات الأهلية في بغداد والمحافظات، بدعوى ضعف المستوى الأكاديمي وارتفاع نسب النجاح بصورة غير منطقية، إلى جانب ملاحظات تتعلق بجودة البرامج الدراسية.
وفي المقابل، ردّت وزارة التعليم الاتحادية بإجراءات مماثلة تجاه جامعات في الإقليم، في خطوة يرى فيها أكاديميون أنها لم تُبنَ على معايير تقييم مؤسسية صلبة، بل جاءت كردّ فعل سياسي عاكس لحالة الشدّ بين الجانبين.
ويرى مختصون أن استمرار تبادل القرارات يفضح غياب رؤية موحدة لإدارة الملف الأكاديمي، ويؤشر إلى أزمة ثقة عميقة بين المؤسستين، وسط تزايد شكاوى الطلبة بشأن مستقبلهم الدراسي، وإمكانية المصادقة على شهاداتهم، أو إكمال الدراسات العليا، أو الحصول على فرص عمل داخل القطاع العام.
في هذا السياق، انتقد النائب محمد عنوز سياسة عدم الاعتراف ببعض الكليات في الإقليم، مؤكداً أنها “لا تصب في مصلحة التعليم” وأن ضحيتها الأولى هم الطلبة الذين يجدون أنفسهم بين قرارين متناقضين.
وقال عنوز، إن “أصل الإشكال بدأ في إقليم كوردستان، وعلى الجانبين مراجعة قراراتهما لتجنّب الإضرار بالطلبة وتفادي خلق إرباك في النظام التعليمي”.
وشدد على أن “العراق بلد واحد، ولا يمكن التعامل مع الجامعات بطريقة تمييزية أو اتخاذ إجراءات غير منطقية من شأنها تفتيت وحدة المسار الأكاديمي الوطني”.
وأضاف أن “هناك بالفعل ملاحظات على بعض الجامعات الأهلية في كوردستان، الأمر الذي يستدعي معالجة مشتركة بين وزارة التعليم الاتحادية ووزارة التعليم في الإقليم، بعيداً عن القرارات التي ينتج عنها تعطيل الاعتراف أو إرباك الطلبة”.
وأكد أن “الحل يكمن في وضع معايير موحدة واختبارات جودة مشتركة، بما يحفظ مستوى التعليم ويحمي الطلبة من تبعات القرارات المتسرعة”.
وتؤشر الأزمة الحالية، وفق أكاديميين، تراكمات طويلة مرتبطة بالتوسع غير المنضبط في إنشاء الجامعات الأهلية، وغياب هيئات اعتماد فاعلة، الأمر الذي خلق بيئة تعليمية يصعب ضبطها، حيث تتفاوت جودة المناهج، وتتباين مؤهلات الكوادر التدريسية، وتتراجع الرصانة العلمية لحساب الاعتبارات الربحية.
وفي ميدان الطلبة، تتعمق الصعوبات، فآلاف منهم ينتظرون حلاً واضحاً يضمن الاعتراف بشهاداتهم وعدم تعطيل مسارهم الأكاديمي والمهني، وفي هذا الإطار، يكشف بعض الطلبة حجم الضرر الذي لحق بهم جراء القرارات المتبادلة، حيث قال الطالب علي محمود، وهو طالب في إحدى الجامعات الأهلية في بغداد، إن “الأزمة وضعتنا في حالة نفسية صعبة، لأن مستقبلنا بات معلّقاً بين قرارين متناقضين لا ذنب لنا فيهما”
وأضاف محمود، أن “غياب المعايير الواضحة جعل الطالب الحلقة الأضعف، إذ لا نعرف ما إذا كانت شهاداتنا ستُعترف بها عند التخرج، أو إن كانت ستُقبل في الدراسات العليا أو في التعيين الحكومي”.
كما قال الطالب سامان دلشاد، وهو طالب في جامعة أهلية داخل إقليم كوردستان، إن “قرار بغداد بعدم الاعتراف أحدث ارتباكاً كبيراً بين الطلبة، وخاصة أولئك الذين ينتظرون معادلة شهاداتهم في المركز”.
وأضاف دلشاد، أن “الطلبة في الإقليم يشعرون بالظلم أيضاً، لأنهم يدرسون وفق مناهج تعتمدها الوزارة في أربيل، ولا يمكن تحميلهم نتائج الخلاف بين المؤسستين، ونأمل بحلّ ينقذ مستقبلاً لا يحتمل المزيد من التعطيل”.
ويؤكد أكاديميون أن استمرار هذه القرارات المتبادلة يضرّ بسمعة التعليم العالي العراقي، ويقوّض قدرة الجامعات على بناء شراكات دولية أو اجتذاب برامج بحثية مشتركة، فيما يرى بعضهم أن الحل يتطلب تشكيل لجنة تقييم مستقلة لا تنتمي للمركز أو الإقليم، تُعنى بوضع خريطة طريق موحدة لمعايير الجودة، وتعلن نتائجها بشكل شفاف.
ومع اتساع رقعة الجامعات غير الرصينة، وتزايد الشكاوى من تدخلات سياسية وتجار التعليم الأهلي، تتضح الحاجة الملحّة إلى إصلاح شامل يعيد الاعتبار للمؤسسة الأكاديمية، ويضمن بيئة تعليمية موحدة تسري معاييرها على الجميع دون استثناء، بما يمنع تحوّل الطلبة إلى ضحايا قرارات متسرّعة أو صراع إداري ممتد سنوات.