تحول لافت تشهده الحدود العراقية، إثر تغير في طبيعة الأساليب التي تعتمدها شبكات التهريب، مع لجوئها إلى وسائل أكثر تعقيداً وخداعاً في محاولة لتجاوز الرقابة الأمنية، وهو ما بات يفرض على الأجهزة المختصة مسؤوليات مضاعفة لملاحقة التكتيكات الجديدة، وتعزيز جاهزيتها الاستخبارية والميدانية لمنع تسرب المواد المحظورة إلى داخل البلاد.
وتمكنت قوات الحدود مؤخراً، من إحباط محاولة تهريب (18) كغم من المخدرات عبر بالون هوائي على الحدود الدولي غرب محافظة الأنبار.
وقالت قيادة قوات الحدود في بيان: إنه “استمراراً لنجاح التحصينات والإجراءات الأمنية التي اعتمدتها قيادة قوات الحدود في التصدي لمحاولات التسلل والتهريب، تمكنت مفارز الفوج الثالث في لواء الحدود السادس من إحباط محاولة تهريب كمية كبيرة من الحبوب المخدرة تزن (18) كغم، كانت محمولة بواسطة بالون هوائي عبر الشريط الحدودي غربي محافظة الأنبار”.
وأضافت القيادة، أنه “تم العثور على (98) كيساً بداخلها (1000) حبة مخدرة لكل كيس، حيث جرى ضبط المواد المهربة وفق الأصول القانونية، وتنظيم محضر ضبط أصولي واتخاذ الإجراءات القانونية”.
ولم يقتصر الحال على محافظة الأنبار والحدود السورية – العراقية، حيث أعلنت مفارز الفوج الثالث في لواء الحدود العاشر إحباط محاولة جديدة مماثلة على الحدود الدولية لمحافظة ميسان، فقد ضبطت المفارز (19.500) كغم من المواد المخدرة موضوعة داخل أكياس بلغ مجموعها (102) ألف حبة مخدرة”.
يرى مختصون أن أي معالجة فعّالة لعمليات التهريب تتطلب تحويل الجهد الأمني من ردّ الفعل إلى مبادرة استباقية، عبر تطوير منظومات المراقبة الجوية والحرارية على امتداد الحدود، وتوسيع صلاحيات وحدات التحليل الاستخباري لاستباق التحركات المشبوهة.
ويشير عسكريون إلى أن زيادة التنسيق بين قيادة قوات الحدود وطيران الجيش وجهاز المخابرات يمكن أن يسمح بفرض طوق مراقبة يمنع وصول المهربين إلى نقاط الضعف، خصوصاً بعد لجوئهم إلى وسائل متطورة مثل البالونات الهوائية والطائرات الصغيرة.
الخناق يضيق
وفي هذا السياق يؤكد، الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، اللواء المتقاعد عماد علو، أن الجهود التي تبذلها وزارة الداخلية خلال السنوات الأخيرة أسهمت في تحقيق تقدم واضح في مواجهة شبكات وتجار المخدرات.
وقال علو: إن ” تطور عمل الأجهزة الأمنية المتخصصة، واشتراك جهات داعمة مثل الجيش وجهاز المخابرات وهيئات الجمارك والحشد الشعبي، خلق بيئة ميدانية قادرة على تضييق الخناق على شبكات التهريب”.
وشدد على أن “العصابات بدورها تطور أساليبها مواكبة لتطور الأداء الأمني، ما يجعل المواجهة مستمرة ومعقدة، وقد يفتح ثغرات تُستغل لإعادة تنشيط عمليات التهريب داخل البلاد”.
وأشار علو إلى أن “التعاون الإقليمي بين العراق ودول الجوارمثل الأردن وسوريا ولبنان ساهم في تعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية، ما دعم عمليات الملاحقة، لكنه ما زال بحاجة إلى تطوير أعمق لضمان سدّ الفجوات التي تستفيد منها شبكات المخدرات ذات الامتدادات الدولية”.
وبيّن أن “هنالك جانباً مهماً من المشكلة يتعلّق بالمنظومة التشريعية، التي لم تعدرادعة بما يكفي، فالقوانين الحديثة لم تصل إلى مستوى الردع الذي كان يشهده العراق حين كانت عقوبات الإعدام تطال المتاجر والمروج والناقل وحتى المتعاطي، وهو ما شجع العصابات على التمدد واستغلال ثغرات القانون”.
ودعا إلى “مراجعة شاملة للتشريعات الخاصة بمكافحة المخدرات بالتوازي مع تعزيز برامج التوعية المجتمعية والتأهيل الصحي للمدمنين، مؤكداً أن ارتفاع أعداد الداخلين إلى مراكز العلاج مقابل الطاقة الاستيعابية المحدودة يشكّل تحدياً كبيراً يستوجب تدخلاً عاجلاً لحماية المجتمع العراقي من المخاطر المتصاعدة لهذه المواد السامة”.
دعوات لبرنامج وطني شامل
ويحذر مختصون من أن استمرار محاولات تهريب المخدرات رغم نجاح الأجهزة الأمنية في إحباط بعضها يشكل تهديداً متزايداً على المجتمع العراقي، خاصة الشباب، حيث أن انتشار هذه المواد السامة يمكن أن يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وزيادة معدلات الإدمان والجريمة، ما يجعل التوعية المجتمعية وبرامج إعادة التأهيل ضرورة ملحة إلى جانب الاستمرار في تعزيز القدرات الأمنية لمنع تسلل هذه المواد وحماية الأجيال القادمة.
ويؤكد مختصون ومنظمات حقوقية أن العراق بحاجة إلى برنامج وطني واسع يشمل المدارس والجامعات والمراكز الشبابية، يركّز على التوعية بمخاطر المواد المخدرة وآثارها النفسية والاجتماعية، إلى جانب توسيع مراكز العلاج وإعادة التأهيل التي تعاني من طاقة استيعابية منخفضة مقارنة بعدد المقبلين عليها.